مرحبا..
هادي أول مشاركة لي في المنتدى
حبيت انقللكم قصة من تأليفي
إن شاء الله إنها تنال إعجابكماسمي سجى.. أبلغ التاسعة عشر من عمري.. أعيش أنا وأخي ضياء عند عمي كامل منذ عشر سنوات.. فقدت باقي أفراد أسرتي إثر الحرب.. تلك الحرب التي دمرت حياتي.. وأسرتي.. ومستقبلي.
أذكر.. قبل ثلاثة عشر سنة.. وأنا ألعب بالحديقة.. أدركت أن أبي عاد من العمل.. فقد سمعت صوت أمي ترحب به.. ذهبت أعدو لأراه.. اقتربت من الباب.. فسمعت أبي يقول لأمي بصوت حزين: " أعدّي لي حقيبتي.. سأذهب مع رجال الحي لنقاتل العدو.. ونحرر وطننا..".
ركضت نحو غرفتي أبكي.. تبعتني أمي كي تهدئ من روعي.. وقالت لي: " عزيزتي سجى.. لا تحزني.. أباك لن يغيب طويلاً.. وأنت ستذهبين إلى المدرسة.. لقد وفرنا المال الكافي لتعليمك.."، توقفت عن البكاء وبدأت أرقص فرحاً.. كم تمنيت أن أدخل المدرسة.. وأجيد القراءة والكتابة.. ويصبح لي أصدقاء جدد..
بعد عدة أيام أوشك أبي على أن يسافر.. ذهبنا نودعه.. قال لي: " سجى يا ابنتي.. احتفظي بهذه القلادة.. ستذكرك بي دوماً.."، أخذت القلادة و دموعي على وشك أن تنهمر.. مرت الأيام وأصبحت الحال أسوأ فأسوأ.. تركت المدرسة.. نفذ الخبز.. نفذ الماء.. نفذ المال.. ونفذ دواء سارة.. نسيت أن أحدثكم عنها.. إنها أختي الصغيرة.. كانت مصابة بسرطان الدم.. وتتعالج بأخذ دواء مكلف جداً.. لم نعد نملك ثمنه..
بعد ثلاثة أشهر.. لفظت سارة أنفاسها الأخيرة أمام عيني.. وهي لم تكمل سنتها الخامسة في الحياة.. بدأت أبكي وأصرخ: " سارة.. سارة.. أختي حبيبتي.. عودي إلي أرجوك ", سمعت أمي صراخي من المطبخ.. جاءت مسرعة.. أخذتني بعيداً.. وضعت الغطاءً على وجه أختي.. اتصلت برجال الإسعاف.. وأخذوا أختي..
بقيت أبكي في حجرتي.. حتى عادت أمي من المقبرة.. دخلت إلي.. قبلتني.. وقالت: " لا تحزني حبيبتي.. أختك سارة الآن طير من طيور الجنة.."
بدأت أتذكر الأوقات السعيدة التي أمضيتها معها.. وأتذكر ضحكتها الجميلة.. وتذكرت يوم عيد ميلادها الثالث.. حين أحضرت لها الكرة المطاطية الملونة.. التي فرحت فيها كثيراً..
ذهبت وأحضرت الكرة.. فرائحة ميكو لا تزال عليها.. وفي نفس اللحظة سمعت صوت أبي قادماً من بعيد.. ظننت أني أتوهم ذلك بسبب اشتياقي له.. وبدأ الصوت يقترب أكثر فأكثر.. وأنا لا أزال ممسكة بالكرة.. جامدة في مكاني.. ذهبت مسرعة لأتحقق الصوت..
وجدت أبي.. لم أتخيل أني سأراه مرة أخرى.. فالحرب يقتل آلافاً من الأشخاص.. جلسنا مع أبي وعمي كامل الذي جاء معه.. تحدثنا قليلاً.. ظننا أن الحرب قد انتهت.. لكن علمنا أن عمي أعاد أبي لأن قدمه قد أصيبت..
بعد وقت قصير جاء أبي ليحدثني.. قال لي: " أنا فخور بك يا ابنتي.. لقد احتفظتي بالقلادة واعتنيت بها جيداً.. "، ركضت نحو أبي فاحتضنني.. وإذ بالباب يطرق.. ذهبت أمي وفتحت الباب.. وإذ بالجنود يدخلون.. يصرخون:" Out.. Out "
ذهبت إلى غرفتي.. وأخذت ما استطعت من أغراضي.. ولم أنسى كرة أختي سارة.. وذهبت خارجاً مع أمي وعمي كامل.. انتظرنا أبي.. تذكرت أني نسيت القلادة في الداخل.. فوجئت بأبي قادماً بها نحوي.. شكرته ومضينا.. واحرقوا البيت.. تابعنا السير.. قابلنا قوات من الجيش أمامنا.. وبدأوا يطلقون الرصاص.. والقنابل.. والغازات.. نجونا أنا وأمي ووالدي.. بين كثير من القتلى والجرح.. وركضنا هاربين.. صرخت أمي فجأة:".. ضياء.. ضياء.. أين ضياء"
أدركنا أننا فقدنا أخي.. عدنا نصرخ جميعاً وننادي عليه.. حتى وجدناه يبكي تحت ظل شجرة لوز قريبة منّا.. شكرنا الله على إعادته لنا سالماً، حملته على كتفي.. وأكملنا طريقنا إلى مركز اللاجئين..
في اليوم التالي.. أتت جرافات كي تهدم مركز اللاجئين.. حملت أغراضي.. وركضت مسرعة وأخي على كتفي.. أما أمي وأبي فقد فات الأوان.. ماتا وهما في الداخل..
انتهت الحرب.. عدنا إلى بلادنا.. وجدنا أن عمي لا يزال على قيد الحياة..أخذنا للعيش معه.. وهذه هي الحياة.. حروب وقتال.. دمار وهلاك.. ولا بد أن نعيشها دون استسلام..
كما قال الشاعر سميح القاسم:
" يصيح كل حجر مغتصب..
تصرخ كل ساحة من غضب..
يضج كل عصب..
الموت.. لا الركوع
موت.. ولا ركوع
تقدموا.. "
تحياتي
SuSa